المهندس مدحت القاضي
المهندس مدحت القاضي

المهندس مدحت القاضي يكتب من الأراضي المقدسة.. عن لوجستيات الحج : تجربة سعودية ملهمة في الإدارة المتكاملة

في كل عام، يشهد العالم واحدة من أعظم التجمعات البشرية على وجه الأرض: موسم الحج. ويأتي التحدي الأكبر في كيفية إدارة هذا الحدث الضخم الذي يجمع ما يزيد عن مليون و ٨٠٠ الف  حاج من أكثر من 150 دولة في مكان وزمان محددين، مع ضمان أعلى مستويات الأمن، السلامة، الانسيابية، والراحة.

استطاعت المملكة العربية السعودية، بفضل التخطيط المحكم والاستثمار المستدام في البنية التحتية والخدمات، أن تقدم نموذجًا عالميًا في إدارة الحشود. وقد واجهت المملكة عدة تحديات، من أبرزها:

العدد الكبير من الحجاج وتنوع جنسياتهم وثقافاتهم.

محدودية المكان الجغرافي في المشاعر المقدسة (منى – عرفات – مزدلفة).

الحاجة إلى تحركات جماعية في توقيتات موحدة.

ضرورة توفير الخدمات الصحية والغذائية والسكنية لملايين الأشخاص في وقت واحد.

المطارات والنقل: بوابات الكفاءة والرحابة

من اللحظة الأولى لوصول الحاج إلى أراضي المملكة، يلاحظ مدى التطور في المطارات السعودية، وعلى رأسها مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة، و مطار محمد بن عبد العزيز المدينة المنورة  الذي تم تجهيزهما بأحدث النظم لتسريع إجراءات الوصول والخروج، مع فرق خاصة لاستقبال ضيوف الرحمن وتوجيههم.

وفي مجال النقل، تتكامل الوسائل بين:

الحافلات المكيفة الذكية والمجهزة بأنظمة التتبع.

قطار الحرمين وقطار المشاعر الذي ساهم في تقليل زمن التنقل وتقليص الازدحام.

منظومة مرورية عالية التنسيق، تعمل وفق خطط طوارئ متقدمة.

الفنادق والمشاعر: هندسة التسكين والخدمة

الجهود المبذولة في الإسكان الفندقي بمكة والمدينة مذهلة، إذ تضمن تسكين الملايين في أماكن آمنة، نظيفة، ومجهزة بأفضل الخدمات، إلى جانب التوسع في المخيمات المجهزة في منى وعرفات.

الرعاية الصحية: نموذج في الاستعداد

وفرت المملكة منظومة طبية احترافية، شملت:

مستشفيات ميدانية داخل المشاعر.

طواقم طبية على مدار الساعة.

منظومة استجابة سريعة للحالات الطارئة بوسائل تتيح للأطباء و سيارات الاسعاف التنقل وسط الحشود الهائلة لحجاج

هذا فضلاً عن تكثيف الرقابة الصحية والغذائية، وتفعيل الخدمات الإسعافية الجوية والبرية، وهو ما ساهم في الحد من الوفيات والإصابات.

و لا يمكن أن ننسي دور النظافة و التخلص من حجم القمامة الرهيب من أجل المحافظة علي نظافة المشاعر فذلك تحدي كبير لوصول سيارات نقل القمامة الي المقالب العمومية

كنت أقف علي باب المخيم و كان يوجد صندوق للقمامة فوجدت احد رجال الأمن يقوم بتصوير الصندوق فتسائلت عن السبب قال لي الصورة لرقم الصندوق تصل الي المسؤل لاخطاره ان الصندوق قارب علي الامتلاء.

الإدارة الذكية للأزمات والمرور

تمكنت الجهات الأمنية والإدارية من:

الحفاظ على سيولة مرورية حتى مع استقبال وفود ملوك ورؤساء دول.

#التحكم في حركة الملايين داخل المشاعر بدقة مذهلة.

التصدي لأي اختناقات بفضل خطط إدارة الأزمات المسبقة فهناك لكل مشعر العديد من الطرق و يتم النوجية عن طريق حساسات قياسية تقوم بقياس الكثافة المرورية.

تطبيق التكنولوجيا والتحول الرقمي

ومن أبرز صور النجاح السعودي، استخدام التطبيقات الذكية التي سهّلت على الحجاج:

الوصول إلى أماكنهم.

معرفة الجداول الزمنية.

تلقي التعليمات والتنبيهات.

تقنيات السوار الإلكتروني والتعريف الذكي للهوية.

الضبط الصارم لمنع التسلل والتكدس

من أبرز قرارات التنظيم الحاسم، منع أي شخص من الحج دون تصريح رسمي، مما قلل من الضغط على المشاعر، ورفع كفاءة الخدمات، وساهم في تحقيق عدالة التوزيع. بدأ من الجوازات بالمطار و مرورا بكافة عناصر الحج يكفي ان يقوم المسؤل بعمل سكان لجواز السفر يتم التأكد من صحة البيانات و وجود تصريح للحج.

اما التحدي الأكبر الذي كان يعاني منه الحجاج و الذي كان يتركز في التوهان في مشاعر متي فقد تم التغلب عليه من خلال عمل مجموعات المعسكرات بالوان يسهل لأي حاج التوجه الي المعسكر الخاص به بالإضافة الي الاف المتطوعين المنتشرين و جميعهم قدموا من مختلف محافظات المملكة تاركين الاحتفال بالأعياد ليحتفلوا بحجاج بيت الله و التحدي الكبير هو درجات الحرارة المرتفعة خلال شهر يونيو و بحمد الله تعالي لم تنقطع الكهرباء أو كافة يشهد خلال الموسم.

الوعي الديني: الركيزة الجوهرية

كان للإعلام الديني والدعوي دور كبير في:

توعية الحجاج بأحكام المناسك و تعزيز روح الانضباط و نشر ثقافة الرحمة والالتزام داخل الحشود.

لا يمكن أن نغفل دور المراكز التموينية والمطابخ المركزية

لم تغفل المملكة عن الأمن الغذائي، فقد تم تأمين:

مطابخ مركزية ضخمة تخدم ملايين الوجبات.

معايير جودة صارمة.

تنوع في الغذاء يراعي ثقافات الدول المختلفة.

كما تم تأمين احتياجات حجاج من ١٥٠ دولة من الوفود بالوجبات المفضلة، مع مراعاة الأذواق والعادات الغذائية.

لكي يتخيل القارئ حجم التحديات التي تواجه المملكة في أرقام لك ان تتخيل ان متوسط المأكل و المشرب اليومي حوالي ١١ الف طن يوميا و جمع قمامة حوالي ٥ الاف طن يوميا و عدد الحافلات حوالي ٣٠ الف حافلة و عدد الغرف الفندقية  حوالي ٢٧٠ الف غرفه فندقية و تستقبل المطارات حوالي 400 رحلة طيران موسمية يومية خلال موسم الحج اي تحديات هائل هذا لضبط تلك المنظومة.

لقد نجحت المملكة العربية السعودية في تحويل موسم الحج إلى درس عالمي في إدارة اللوجستيات والتكنولوجيا والوعي المجتمعي و الديني، وهو ما يجب أن يكون مصدر إلهام للدول والمنظمات الكبرى، خصوصًا ونحن نعيش في عالم تتزايد فيه التحديات.

كل التحية والتقدير لخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد ولكل من شارك من العاملين و المتطوعين في منظومة الحج، الذين أبهرونا بكفاءتهم وتفانيهم، وجعلوا من خدمة ضيوف الرحمن شرفًا ورسالة إنسانية نبيلة.

كاتب المقال المهندس مدحت القاضي هو أحد اهم خبرءا النقل الدولي واللوجسيتات فى مصر ويشغل

مناصب

  • نائب رئيس الإتحاد العربي لغرف الملاحة
  • نائب رئيس جمعية رجال أعمال الإسكندرية
  • ورئيس شعبة خدمات النقل الدولي واللوجستيات