بالتحليل المعمق للتوجهات الحالية للإدارة الأمريكية نحو إعادة تشكيل النظام التجاري العالمي، بما في ذلك التساؤلات حول سعيها المحتمل لتقويض اتفاقية الجات ومنظمة التجارة العالمية بهدف تأسيس نظام جديد يتماشى بشكل أكبر مع مصالحها المتغيرة.حيث تزايدت الانتقادات الأمريكية للنظام الحالي، بحجة عدم تكافؤ الممارسات التجارية وقصور آليات التسوية،
فقد وجدنا أن نسلط الضوء على الدوافع الكامنة وراء هذه التحركات، فهل هو بسبب التركيز المتزايد على الأمن القومي وحماية الصناعات الاستراتيجية أم الرغبة في عقد اتفاقيات ثنائية وإقليمية بشروط أكثر صرامة. وفي المقابل، و ما هي التحديات الكبيرة التي تواجه هذا المسعى الأمريكي، بما في ذلك المقاومة الدولية بالاضافة إلي التداعيات السلبية المحتملة على الاقتصاد الأمريكي نفسه كما حدث في انهيار البورصة وغياب رؤية واضحة للنظام البديل.
لتحليل الموقف و الدوافع من الضروري إلقاء نظرة على حجم التبادل التجاري والاستثمارات الضخمة بين الولايات المتحدة والصين، والتي تمثل حجر الزاوية في النظام التجاري العالمي الحالي وتسلط الضوء على التعقيدات الكامنة في أي محاولة لإعادة هيكلته بشكل جذري.
في عام 2023، بلغ حجم الصادرات الأمريكية إلى الصين 154 مليار دولار، بينما بلغت الواردات الأمريكية من الصين 436 مليار دولار.

و على الرغم من التوترات التجارية، تظل الصين ثالث أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة حيث بلغ رصيد الاستثمارات الأمريكية المباشرة في الصين 126.9 مليار دولار في عام 2023 بالمقابل، بلغ رصيد الاستثمارات الصينية المباشرة في الولايات المتحدة 28 مليار دولار في عام 2023.
هذه الأرقام الهائلة تؤكد على الترابط الاقتصادي الكبير بين البلدين، مما يجعل أي محاولة لفك هذا الارتباط أو إعادة هيكلته عملية معقدة ومحفوفة بالمخاطر.
*هل يقود التصعيد إلى “طاولة ندم” ونظام جديد؟*
يشمل سيناريو تصاعد التوترات التجارية والاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين وبقية العالم، واحتمالية أن يدفع هذا التصعيد الأطراف المتنازعة في نهاية المطاف إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى نظام تجاري عالمي جديد.
لتحليل الدوافع المحتملة لهذا السيناريو مثل التكاليف المتزايدة للتصعيد و الضغوط الشعبية سوف يؤدي إلي الحاجة إلى قواعد جديدة تتناسب مع التحديات المعاصرة وتغير موازين القوى العالمية و في الغالب هو هدف الإدارة الأمريكية.
ومع ذلك، توجد عقبات كبيرة تعترض هذا الطريق، وعلى رأسها انعدام الثقة المتزايد بين الدول، واختلاف الأولويات والمصالح، والتأثيرات السياسية الداخلية التي قد تعيق تقديم تنازلات ضرورية. مما يؤدي إلي صعوبة التوصل إلى اتفاق شامل يرضي جميع الأطراف، .
*الخلاصة* :
مع استمرار التصعيد قد يكون السيناريو الأكثر ترجيحًا على المدى القصير حيث أن الولايات المتحدة تسعى بوضوح لتغيير النظام التجاري العالمي، لكن إلغاء اتفاقية الجات بالكامل يظل خطوة جذرية وغير مضمونة العواقب. في ظل الترابط الاقتصادي الهائل بين الولايات المتحدة والصين وبقية العالم، والاحتمالات الكبيرة للتصعيد المستمر، لذلك نرجح التوصل إلى “نظام تجاري عالمي جديد” عبر طاولة المفاوضات عبر إصلاحات تدريجية سوف يكون المسار الأكثر واقعيةعلى المدى المنظور
كاتب المقال هو أحد أهم خبراء النقل البحري واللوجيستيات فى مصر
رئيس شعبة النقل الدولي واللوجيستيات بالغرفة التجارية بالإسكندرية
ونائب رئيس جمعية رجال اعمال اسكندرية